الخميس، 7 أبريل 2011

مهرجان " كرنفال "التحرير

منذ بدأت الثورة ولأننى فى قلب الأحداث و لا ينقطع جسر الطائرات من فوق رأسى ، حوامات طائرة و كذلك أفكارُ طائرة هى الأخرى لم يستطع أن يخط قلمى سطرا واحدا فقد كان تلاحق وتعاقب الأحداث أكبر بكثير من أن يستوعبه عقلى الصغير- اللى على قده – فكان إستيعاب كل تلك الأحداث المتلاحقة و المتتابعة بمثابة ضغطا نفسيا هائلا ربما كانت طبيعتى التى جعلت من هذا الضغط و ذلك القلق المتواتر عائقا عن الكتابة لكنه لم يمنعنى عن التسجيل فقد كنت أسجل و أدون لحظة بلحظة ما يجرى ..أرائى ..تعليقى حتى أنى أملك الآن عشرات التدوينات فى مسودات خاصة لم تُبيض و لم تظهر بعد - و ربما لن - إلى النور فى الوقت الذى كانت فيه الثورة مصدر الهاما جبار و طاقة نور هائلة و" اتفتحت" لآخرين و أرضا خصبة للنماء الأدبى فاغترفوا منها بنهم..و كانت لآخرين مصدرا لإعادة اكتشاف الذات حيث لم يكونوا قد اكتشفوا بعد أن لهم تلك القدرة الكامنة الهائلة على الكتابةو التى فجرتها فيهم و بداخلهم الأحداث فى حين استقبلها آخرون بالسلب تماما – زى حالاتى - فتوقف قلمهم عن النزف و شلت الأيادى ربما كان ذلك لخلل ميكانيكى ما فىّ..معلش بقى صوابعكم مش زى بعضها  فردة فعلك تختلف عن ردة فعل غيرك و هوالأمر السلبى الإيجابى فى الوقت ذاته .. سلاحا ذو حدين فإما أن تكتب بإنفعال و حماسة و إما أن تكتب بتروى و تمهل فبعد أن هدأت الأمور وجدتنى أستعيد نشاطى رويدا رويدا يوما بعد يوم و بدأت تصاعديا فى استعادة و استرجاع ما حدث و تحليله فبعد أن تهدأ ثورة الحماسةو الإنفعال و يتروى الإندفاع يبدأ صوت العقل فى إستدعاء الهدوء و التحليل تهتضم الأحداث و تبدأ فى إجترارها بتعمق وروية ..تعود إلى الوراء.. تسترجع شريط الذكريات بتأنى . أمسكت القلم من جديد و أغمضت عينى فأحسست ب"هفهفة" نسيم الحرية و لفحتنى رياح التغيير... إجتاحتنى لحظات فرح و سرور" فرحة الثورة" نورها قبل نارها فكلما تذكرت ميدان التحرير وأيام التحرير – و التى لا تزال تطل علينا كل جمعة بين حين و أخر - حتى الآن – هفنى الشوق و هلت علىّ نفحات التحرير فحينما تدلف إلى ميدان التحرير أيام الثورة تجد يوتوبيا متحركة على الأرض.. المدينة الفاضلة بكل معانيها أمامك ..خلية نحل تعمل بكد لا تكل ولا تمل نظام ورقى ..تحضر و تمدن... فقط رغبة عارمة فى الإصلاح و التغيير ينقسم الشباب إلى مجموعات... مجموعة للتفتيش تقابلك بوجة بشوش و إبتسامة صادقة مرحبة قائلة اتفضلوا نورتونا.. شرفتوا الثورة و ما أنا تكمل المسير حتى تستقبلك مجموعة أخرى" زى الورد" هاتفة أهلا أهلا بالأحرار اللى انضموا للثوار ... مجموعة أخرى للحراسة و أخرى طبية للإسعاف مجموعة تحمل لافتات تمتلئ بخفة الدم المصرية الأصيلة من أول " ارحل عايز احلق " مرورا ب " ارحل قبل ما مراتى تولد الواد مش عايز يشوفك " و انتهاءا ب اثنان يلعبان دور شطرنج و بجوارها لافتة مكتوب عليها " اهو عقبال ما تمشى" فالمصرى و المصرى فقط ابن نكتة خفيف الدم و الظل من يومه عنده قدرة على مواجهة الآلم بالأمل والحزن بالابتسامة و الضحك على ذاته فى كل المواقف حتى الضحك على خيبته " كما يقولها المثل المصرى الأصيل " " أنت بتضحك على إيه؟ باضحك على خيبتى ؟" و هى قدرة لن تجدها إلا عند المصريين و لن تجدها فى أى مكان أخر فهم قادرون على صنع " الشربات من الفسيخ " و فى عز عز الأزمة بيضحكوا و فى عز الشدة يبتسموا ويسخرون من واقعهم المؤلم الأليم بالضحك و النكات فما أكثرها اللافتات المضحكة و النكات السياسية التى ملأت الميدان و حملت دلالات و رموزيتصاعد فيها التهكم و السخرية على الحال و الأحوال و المهانة و الذل و توبيخ الذات بطريقة فكاهية نكات العائلة الحاكمة والحاشية والمحتكرين و رجال الأعمال بطريقة كوميدية ساخرة هى ما جعلت الثوار فى عزالأزمة و المعاناة فى منتهى القوة و قمة التحمل للنهاية و هى ما جعلتهم يصمدون ثمانية عشر يوما كاملة فى العراء مجموعة أخرى تعلق لافتات و أخرى تكتبها و مجموعات ترسم على الأرض أو على لوحات و مجموعات تنحت أو تلون و أخرى تنظم الصفوف و المسيرات و مجموعات تهتف و أخرين يحملون علما كبيرا يسيرون به فى مسيرة سلمية و مسيرات أخرى للإحتفال بعيد ميلاد أو خطوبة و أخرى للزواج.. لا تتعجب إنه ميدان التحرير المصرى مجموعة أخرى تنظف و تجمع القمامة ..هناك من يوزعون البلح والبسكويت و الأطعمة و من يجمع الأخبار و أوراق الجرائد و من يقوم بعمل نصب تذكاري و شاهد رمزى للشهداء و هناك حفلات سمر و هذا يغنى و أخر يخطب و هذا يقرض الشعر التحام فى تآلف غير طبيعى و إخاء رائع لا يفرق بين عمر أو دين أو نوع أو اتجاة فكري أو أيدلوجى من الأخر كده كما قال الكتاب " لا تمييز " " لا تحرش " " لا سرقة " مش بأقولكم يوتوبيا جعلت من " الشعب يريد أخلاق الميدان " شعارا شهيرا بعد ذلك حتى بعد أن إنفض الجمع مع التنحى وسط إحتفالات صاخبة و تكبيرات و غناء و تنطيط و العاب نارية حتى الصباح الذى ما أوشك أن آتى و بدأت خلية نحل أخرى فى العمل من جديد فهذه عربات المخلفات تجمع القمامة و أخرى لنقل الأمتعه و البطاطين و حل الخيام و أخرى تنزل حمولة أدوات النظافة و المنظفات ليبدأ مهرجان التنظيف العظيم هو مهرجان الحرية و النصر" مهرجان نظافة الثورة "بالفعل إنها الثورة النظيفة قلبا و قالبا نظيفة فى كل شئ بدأت سلميةو خرجت سلمية لم تلوث يداها قط و حتى حينما خرجت نظفت ورائها و لم تترك ورقة على الأرض فى مشهد حضارى أذهل العالم أجمع و رفع أرصدة الثورة إلى الضعفين مشهدا مهيبا هو ثورة الملايين و مشهدا منيرا هوتنظيف الملايين للميدان و مشهدا مهينا هو سرقة الملايين و مشهدا قذرا (قاتما )هو تهريب الملايين فشتان بين هذا و ذاك ليضرب شباب الثورة مثلا غاية فى النبل و التحضر ارتقى بنا هذا المشهد المنيرو علا بنا لنحلق عاليا فى سموات جديدة لم نعهدها من قبل فغطانا ضيائها و شملنا نورها و سمى بنا هذا الشعور فأشاع طاقة من نور شملت و علت وجه الحرية . الكل ممسك بمكنسته وجاروفه و كيسه حتى الأطفال الصغار يمسكون ب " مقشة " أكبر منهم مرتين فترى حينها أمامك الأمل مشرقا ومشعا ترى أمامك مصر اللى جاية تبتسم لك ..مصر الجديدة التى نحلم بها و بأولادها ..ترى الغرس و النبتة التى لابد و أن نعهدها بالرعاية و العناية لتكبر و تصبح شجرة عملاقة ورافة الظلال كثيقة الأوراق تظل الأمل و الولد و البلد.. شجرة نماء و رخاء شجرة عز و مجد ضرب المشهد للعالم كله درسا فى روعة الحريةو تقرير المصير و الإلتزام و علم العالم أجمع درسا لن ينسوه أن من يقرر مصيره ...ينظف ضميره أن سيد قراره ..... كفيل بمشواره و أن من عرف و ذاق الحرية .... لن يرضى بالذل بديلا فمن ذاق عرف و من عرف أغترف و من غرف غرق و أن من يدعو لتطهير الفساد ...و تنظيف البلاد..... نظف البلاد و الميدان معاً حتى نعتها الجميع و عُرفت بأنها الثورة " اللى نظفت وراها "  فمن ذهب صباح اليوم التالى سيستنشق مع نسائم الحرية عبير الديتول و شذى الإنتصار وتشتم رائحة النظافة فى المكان بأكملة بما تحمله من مواد منظفة و سبرتو لإزالة الملصقات و الكتابات من على الحوائط و واجهات المحلات ..كان الميدان بالبلدى كده بيبرق من النظافة و على رأى أبلة نظيفة ....الثورة مبتكدبش فمثلما تنظف شقتك و تملأها بالغبار و " تكركب حولك " لتحولها بعد هذا إلى أبهى صورة منمقة نظيفة كان لابد من تنظيف البلاد و ما تبعه من شوية كركبة فى الشقة . و بعد التنظيف تهل علينا مرة أخرى أفراح التحرير فالإحتفالات فى جمع النصر ما زالت مستمرة يصطحب الآباء و الأمهات أبنائهم يتنزهون فى التحرير فقد وعدوهم بجائزة إذا تفوقوا هى الزيارة و التنزة فى ميدان التحرير يشترون لهم الأعلام و يضع الصغارو الكبار الشرائط الملونة بعلم مصر و يرتدون الكروت و الشارات التى تحمل أسماء و شعارات الشهداء هذا أب يحمل طفتله الصغيرة الجميلة و قد رسمت على جبينها علم مصر و كتبت روح قلبى مصر و هذا أب يرفع طفله فى الهواء مداعبا بعد أن رسم وجهه بالكامل بعلم مصر ابتسم و أنا أرى أخوان يلعبان أحداهما يكبر الأخر بحوالى ثلاث سنوات يلهوان و يجريان خلف بعضهما بالأعلام و قد حمل الكبير علما متوسطا بينما حمل الصغير علما صغيرا – على قده –و ترفرف فى أيديهما الأعلام مع الحركة فى مشهد يهدى إليك بهجة الحياة . و أملا مشرقا فى غد هم أبناءه أسرة أخرى صغيرة طفلان أب و أم.. الأب يحمل علما كبيرا جدا بينما تحمل الأم علما أصغر بقليل و يحمل الأطفال أعلاما متفاوتة الأحجام كلّ حسب حجمه و يرتدى الجميع شارات الشهداء و قد ربطوا أشرطة علم مصر و تزينت وجنات و وجوه الأطفال باسم بلادى الكل يقوم بتصوير كل شئ و يسجله للتاريخ و الذكرى يصور أولاده بجوار الدبابات و مع الجنود و يصور أصدقائه و قد رسموا وجوهم بأعلام مصر " شلة" الشباب تصور نفسها فى كل الأوضاع فوق الدبابة ..ماسكين العلم...نائمين على الأرض أو فى أحضان أحدى الدبابات . أقهقه و أنا أتذكر شكاوى بعض من اتهموا الثورة بتعطيل أعمالهم ..وقف أشغالهم و قطع عيشهم وأنها السبب الرئيسى للكساد فأمامى سوقا كبيرا ممتلئ بكافة السلع و المنتجات حركة بيع و شراء لا تنقطع رواج تجارى كاسح و ازدهار لصناعات متناهية الصغر أمامى " سوق الثورة " الكبير على مرمى البصر بإمتداد ميدان التحرير و مخارجه و مداخله و كافة الطرق الجانبيه و الفرعية المؤدية إليه فهولاء بائعى الشاى و القهوة و العصائرو المثلجات و عربات اللب و الفيشار والحمص و الترمس و السميط و الفطائر( البوريك أبو جبنة و أبو عجوة ) و التسالى و عربات الأطعمة و الوجبات الخفيفة كالمكرونة و سندويتشات الكبدة و عربات الفول و السجق و عربات المأكولات كالكشرى الذى كان طعاما رئيسيا للثوار بعد أن اتهمهم الجميع بأكل الكنتاكى فأطلقوا عليه الكشرى الكنتاكى و إذا كنت من رواد التحرير ستعرف شهرة " الكشرى الكنتاكى "علبة كشرى محبشة بالدقةو الصلصة ناهيكم عن بائعى كروت شحن المحمول و الأعلام و الشارات و الشعارات و الأشرطة الملونة و راسمى الوجوة و اللوحات و اللوجوهات و جميعها تحمل اسم مصر و ثورتها و الشهداء ما أجملها أسواق الثورة و الآن و بعد الهدوء النسبى راجت أكثر و تعددت منتجاتها أكثر و أكثر فتجد التيشرتات و القمصان و الشيلان والكوفيات و القبعات و الكاب" غطاء الرأس" والبرانيط و الدبابيس و الحلى مختلفة الأشكال والأحجام كذلك اللوجوهات و البادجات و الصور و اللوحات كلها عليها رسومات و كتابات مختلفة اتحدت فيما بينها أنها تحمل شعار الثورة و رموزها و صورشهدائها وعلم مصر و جملاً فى حب مصر فى سوق الفخر المصرية فى معنى يجسد بالحرف الواحد الأسواق الحرة المصرية و لكن هذه المرة ليست الشركة الشهيرة و إنما السوق الحرة المصرية بمعانها الجديد الحر . حتى الثقافة و الكتب كان لها مكان فتجد الكتب التى طبعت سريعا فى المطابع الصغيرة بها تدوينات أصحابها و معاصرتهم و معايشتهم اليومية للثورة و التى حرصت على إقتناء إحداها وقرائته . اقتطع الميدان و أحداثه و بائعيه و مرتاديه الذين افترشوه ليلا فى عز الشتاء من أجل الحريةو الكرامة لهم فيه ذكريات و أيام لا تنسى .أخذ من أعمارهم و من عمر ذكرياتهم الكثير اقتطع هو الآخر فصولا كثيرة من كتاب ذكرياتى الذى افترشه ليلا أنا الأخرى أقلب فيه و أتصفحه مبتسمة للذكريات الجميلة التى حفرت بداخلى طرقا و أنهارا خصبة من الذكريات و الإلهام . فاطمة عبد الله 4\4\2011

ليست هناك تعليقات: