السبت، 12 يوليو 2008

و يبقى دائما منفذ أخر ......للسعادة

شعرت مثلما يشعر الكثيرون بالاختناق و" الطهق والزهق" و الإحباط ،، قررت أن أذهب إلى من يسرى عنى و يُذهب ضيقي "نيل القاهرة الساحر" ارتمى فى أحضانه و أشاركه همومى حين تضيق بالناس السبل و تُغلق فى وجوههم الآمال و الفرص و الأحلام و المنافذ يذهبون إلى النيل يلقون فيه بأحزانهم و ألامهم و يستلهمون منه أفراحهم و أمالهم....
"تمشية الكورنيش"...تلك الكلمة السحرية التى تحمل الكثير من المعانى " الأمل و السعادة و الحب."....
فهذا الكورنيش العريض الذى يمتد بطول القاهرة يتخذوه البسطاء و الفقراء مخرجا من الهموم " فسحة العيد "وخروجة الشلة
تمشية المخطوبين".........
على هذا الكورنيش تمشيت كثيرا ،أجلس تارة و استند على أسواره الذهبية تارة أخرى أتأمل المياه والسماء و الطيور و العصافير
سبحان الله فى ملكوته العظيم........
تطرق أذنى كلماتهم فابتسم" ايوة السميط........ جبنه و سميط...،، يا حمص اشرب الحمص السخن.........،، ايوة حاجة ساقعة بيبس حاجة ساقعة ،، اروى عطشك يا عطشان.........." الذرة المشوى .ايوة الذرة......" ابتسم أكثر فهذا الشاب البسيط فى مقتبل العمر ينادى على" بتاع السميط" فى ألاطة واضحة " تعال هنا هاتلنا سميطتين" يتحول ببصرة لتلك الفتاة الصغيرة التى تقاسمه جلسته و الأريكة و لا شك أحلامه و آماله أيضا و بحنية واضحة يقول " أجيبلك حاجة تانية" تطرق برأسها فى خجل ثم تعاود فى همس" نفسى فى حمص الشام" تتسع ابتسامته فقد اكتسب من طلبها رجولته لقد أصبح رجلا مسئولا يلبى طلبات من يتمنى أن يعول و يهم واقفا فى سعادة غامرة" بس كده ..... يا بتاع الحمص"......
أتابع سيرى تصحبنى ابتسامتي.........
أجلس على احد الأرائك العامة " حمدا لله فمازالت هناك جلسات مجانية دون أن يأتيك احدهم و يطلب منك بالذوق أو بالعافية أن تدفع فى هذا الزمان " كل شئ و له ثمن" لا شئ مجانى..." أستند بظهرى ، بجانبى سيدة تلتحف فى عباءتها السوداء و بجوارها زوجها يبدو عليهما الوقار و علامات الزمن ترتسم على ملامحهما ،، يستمتعان بالمنظر الهادئ و زقزقة العصافير يرنو إلى مسامعي " فاكرة يا أم محمد أول مرة خرجنا فيها كانت هنا بعد ما أبوك خد وعد منى إنى هارجعك قبل المغرب" تطرق هى الأخرى فى خجل واضح" فاكرة طبعا ده رضى بالعافية تتنهد فى سعادة و هى تتذكر... ياااااه كانت أيام.... أيامنا غير أيامهم يا أبو محمد الحمد لله عملنا اللى علينا كبرنا العيال و جوزناهم ربنا يوفقهم ...و أنت يا أبو محمد تعبت عشانا كتير ربنا يخليك لينا " ينظر لها فى هدوء و يبتسم " أجيبلك سميط"........
يعدل عن الفكرة حينما يمر أمامهما صاحب النداء "أيوة صورة ... صورة للذكرى إتصور للذكرى....".ينادى "أنت يا مصوراتى...خد هنا صورة ليا مع أم مع العيال " يلتفت لها ممسكا يدها" ربنا يخليك لينا يا أم محمد..." تبتسم هى الأخرى يعتدلان فى جلستهما فى وقار يرتفع صوت المصوراتى.واحد ..اثنان .الضحكة الحلوة فين.......
أواصل سيرى حيث مرسى المراكب النهرية التى تلف النيل فى جولة تقرب الساعة سألت عن التذكرة " 2 جنية يا أبله " أخرجتهم فى صمت و صعدت و تحركت بنا المركب ....
على أنغام الموسيقى وجدت الجميع يبتسم و يغنى بينما انظر للنيل العظيم و غروب الشمس الرائع يزين صفحة الكون ألمح حولى الحب فى كل مكان تغلفه السعادة نعم السعادة الخالصة الخالية من أى رياء أو مصلحة تلك التى يبحث عنها كل من يرغب فى لحظة فرح دون تكلف أو تصّنع أو حتى "فشخرة كّدابة" تلك الأسرة تجلس مأتنسه ببعضها الجد و الجدة و الأولاد والأزواج والأحفاد كلهم يجلسون يتسامرون الأطفال يلعبون و الشباب يرقصون و يغنون و السيدات يتبادلن الأحاديث و الرجال فى ركن أخر يتحاورن ....
أما فى هذا الركن البعيد الهادئ كما تقول الأغنية الشهيرة يجلس المخطوبون مع أسرهم فهذه الأم و الأولاد و معهم بنتهم و خطيب بنتهم فى سعادة يتبادلون النكات والساندويتشات و معها يتبادلون نسمات السعادة و السرور
أتوقف حيث يتجمع الحمام أمامى على احد الزروع الكثيفة على صفحة النيل يبهرني المنظر تماما يأخذنى....... .أعود فأجد الضحكات حولى فى كل مكان فهولاء الشباب هناك يحتفلون بعيد ميلاد أحدهم على أنغام الموسيقى و الدفقات العائلية الدافئة ......
تعبر بجوارنا مركب أخرى عليها عريس و عروسة و معازيم فى قلب النيل يمرحون و يغنون و يرقصون فى بساطة و سعادة نعم "فرح و زفة و كوشة فى قلب المية" الكل فّرح يغنى العيون سعيدة تتقاسم فرحتها و النيل و السماء و العصافير ..... لم يمنعهم ضيق حالهم من راحة البال و السعادة هولا ء هم الناس ،،، هم السعداء
لم يمنعهم ضيق ذات اليد من التنزه و الخروج والشعور بلذات و متع الحياة
لم تمنعهم ظروفهم من الاستمتاع بالحياة..........حتى بأقل القليل و أبسط الأشياء يصنعون عالمهم الخاص الخالص النقى الخالى من الرياء و النفاق و" المنظرة و الفشخرة "و تلك الهالة التى يحيط بها الأغنياء و الوجهاء أنفسهم.....
تغرب الشمس و معها أحزانى و همومى ترمى بهم فى قاع النيل حيث تغوص هى الأخرى فى المياةو تختفى .........
فحقا ليست السعادة فى المال...فالسعادة فى البساطة.........و مهما أغُلقت أمامنا أبواب الحياة فهناك دائما منفذ أخر .... للسعادة....

حبة حروف:-
حينما يُغلق باب السعادة يُقتح باب أخر و لكننا ننظر طويلا للباب المغلق حتى أننا لا نرى الباب الذى فُتح من أجلنا
( هيلين كيلر)