الاثنين، 10 أكتوبر 2011

رمضان فريد

رمضان فريد

لم يطل علينا رمضان هذا العام دينيا صرفاً أو مُسلسلاتيا مُبهرجا .. كعادته كل عام إنما أطل بوجه جديد فى خضم أحداث سريعة متلاحقة.. أطل علينا هذه المرة سياسيا متخما بالأحداث صعودا و هبوطا تظاهرات و اشتباكات ..مصادمات ومناوشات بل و بطولات أيضا مرورا بمحاكمات و تحقيقات و محاكم عسكرية متزامنا مع أحداث داخلية وخارجية و كوارث طبيعية و إنتهاءا بمقال "سيدة قلبى" لعمرو حمزاوى الذى كسر فيه "تابهوات" كثيرة لمن يعملون بالسياسة استمرت لعقود طويلة
فكان زخِما محملاً بالأحداث ملئه الترقب والشغف و المتابعة لا متابعة حلقات المسلسلات التليفزيونية وإنما حلقات وقائع الأحداث اليومية حولنا فى كل مكان

فكان استقباله قبل هلاله بيومين سياسيا صاخبا حيث جمعة الإرادة الشعبية بقوتها وتعدادها الرهيب و طلتها المهيبة فكان إعلانا صريحا بأجواء سياسية رمضانية جديدة تطل علينا ..هذا القادم المختلف من بعيد الرمضان السياسى ؟؟ مصطلح جديد هذا العام يتحسس خطاه بيننا و ينظر لنا بعين متفحصة متحسسة طريقها
حتى بدايه الشهرالكريم جاءت متواكبة مع الأحداث حيث تبادل الجميع التهانى السياسية على غرار كل عام وأنتم بخير بمناسبة "فلول" شهر شعبان، وقرب بداية شهر رمضان ال "مبارك" ويا رب يكون الشهر كله "جمال" و"سرور" ومصر توصل فيه للـ "علاء" وتعيش في "عز" وتبدأ على "نظيف"، وانا بأكد على "عزمي" الشديد على ذلك لأحصل على "صفوت" الحسنات، ويجعلنا من "عبيد" الله الصالحين.
فبالطبع لا يكون رمضانا مصريا بدون أن يمر بالتمصير خفيف الظل و الختم خفيف الروح فتجد شباب الانترنت فى بداية الشهر يندهشون :الله يرحم أيامك يا مبارك كنا بنفطر الساعة خمسة وادينا بنفطر الساعة سبعة J

ثم ما لبث أن هلّ علينا سحوره الأول بأحداث أدمت قلبونا جميعا أحداث العريش والكر و الفر و اختطاف جثة الفلسطينى من مستشفى العريش على يد مسلحين

و أبى اليوم الأول إلا أن يأخذ نصيب حيث شهد هجوما مباغتا من الجيش و الشرطة لتفريق المعتصمين فى ميدان التحرير الذين كانوا قليلى العدد حيث ذهب معظهم لإفطار أول يوم مع ذويهم إلا أن المفاجأة غير المتوقعة على حين غرة أسفرت عن نجاحها حيث تم إخلاء الميدان تماما ومن يومها قوات الأمن هى من اعتصمت بالميدان

أما الأحدث الأكبر و الأبرز على الإطلاق فهو محاكمة الرئيس السابق والذى تصدر المشهد الرمضانى بأكمله فى يوم الشهر الثالث فمثل هذا الحدث المصيرى الذى انتظره الجميع هز وجدان الكثيرين إلى حد كانت الشوارع خالية من المارة - كيوم كسوف الشمس"إياه "عند التحذيرات بعدم التعرض للشمس- التف الجميع فى المنازل فى الأعمال حول الشاشات و الإذاعات أجهزة المحمول يتابعون بشغف حدثا لم يصدقوا أنه ما كان ليحدث أمامهم و يرونه رأى العين فى ظل تكنهات سابقة بعدم حضوره و تغيبه بعضها لسبب مَرضى و بعضها إستيراتيجى و تكنهات أخرى مَسرحِيَة الأداء على طريقة المسرح الإغريقى و أفلام هوليود" فيس أوف" باحتمال حضور"الدوبلير" إلى قاعة المحكمة ولا ينكر أغلب الشعب على نفسه أن شيئا ما جاثما على صدره قد أزيح عنه بعد أن رأى رئيسه السابق فى قفص الإتهام تُجرى محاكمته محاكمة يتوسم فيها العدل والشفافية وشفاء الصدور و ينتظر منها الكثير ولا يخفى على أحد أن هذا المشهد قد شفى صدور الكثيرين ممن ألمت بهم ويلات وأوجاع ..و مآسى و آلام
و لم و لن تتركنا خفة الدم المصرية وهى القاسم المشترك الأكبر فى كل أمورنا حتى فى هذه المحاكمة و أبت ألا تمر مرور الكرام و تناولت إنكار الرئيس السابق للتهم المنسوبة إليه و محاموه الأكثر دهاءا بين أقرانهم بالعديد من النكات حتى أنهم أطلقوا شعار: نخلص من مرتضي سيديهات ... يطلعلنا فريد فلاشات نسبة للمحامى الداهية فريد الديب الذى قالوا عنه : إحنا خايفين يجيب للشهداء إعدام....

وكنتيجة طبيعة شهدت الجمعة التالية احتفالات الثوار بالإفطار فى ميدان التحرير والتى لم تلبث أن تحولت إلى مناورات كر و فر بين الثوار و الشرطة لتفريقهم

و لم يخلو المشهد العربى من نصيبه فى زحم الأحداث فما حدث بسوريا من مجازر كان مروعا يشيب لها الولدان ومن منع صلاة التراويح و قتل الآلاف وما صاحب ذلك من وقفات أمام جماعة الدول العربية بعد الإفطار عدة أيام

و كاد رمضان أن يحمل لنا أخبارا سعيدة إلا أنه عاد و ضّن علينا بها مرة أخرى حين كاد الثوار الليبيون يفعلونها و يستولوا على طرابلس بعد أن اعتقلوامحمد القذافى نجل العقيد تزامت معه إعترافات دولية و-بعض- عربية بالمجلس الإنتقالى الليبى
حتى الطبيعة أبت ألا تشارك فى هذا الرمضان المختلف و شهدت تلك الأيام كوارثا طبيعة عربية و خارجية فى ظل أزمة عاتية لإخواننا فى الصومال و ما يعانونه من قحط و جوع و وفيات تصل للمئات يوميا قامت على إثرها تدشين العديد من الحملات لمساعدتهم و الوقوف بجانبهم

و أبى هو الآخر ألا يشترك معنا إعصار ايرلين حيث اقتلع الأشجار واغلق الطرقات فى أمريكا مما دعى الكثيرين للقول بأنه العقاب الآلهى للجبروت و الطغيان

بل و تعدى الشهر العالمية ليشهد أحداثا خارجية حيث شهدت العاصمة الإنجليزية لندن اشتباكات هائلة و مصادمات قوية لعدة أيام على التوالى و لم تسلم إسرائيل نفسها فاجتاحتها تظاهرات بمئات الآلاف للإحتجاج على الأوضاع

ثم كانت الضربة الدامية اشتباكات بين الجيشين المصري و الإسرائيلي على الحدود و سقوط ضحايا و شهداء ورفع حالة التأهب قى سيناء و إعلانها منطقة غير آمنة مع عودة تسرب القلق و الجزع إلى النفوس و حتى هذه لم تسلم منا يا مصريين فكتب شبابنا على النت عاجل مواطن مصرى شاف عنان وفرقة المظلات والصاعقة بيوقفوا تاكسي و بيقولوله : سينا ياسطى !
فى ظل وضع متواتر خرج علينا مجلس الوزراء بعدة بيانات متعاقبة مفاداها إدانة الحادث و تقديم التعازى
و مطالبة إسرائيل بتقديم اعتذار رسمي و تأكيد الدولة على سيادتها على أراضيها وتأمين حدودها و تصديها لأى تسلل و ردع الخارجين و تحميل إسرائيل مسئولية خرق اتفاقيات السلام و كذلك خرق الحدود و الدعوة لتحقيق فورى
و ما تبع ذلك بالطبع من تظاهرات و إشتباكات أمام السفارة و الدعوة لجمعة طرد السفير و ظهور "سبايدر مان" المصرى"أحمد الشحات" الذى رفع العلم المصرى على السفارة و أنزل علمها الإسرائيلى متسلقا المبنى المكون من 22طابق و أخيرا ينصفنا تقرير قوات حفظ السلام حيث صرح بأن شهداء الحدود اشتبكوا مع وحدة إسرائيلية توغلت فى سيناء متخطية النقطة الحدودية

و لم تسلم الموعودة غزة و باتت تحت الحصار من جديد مُستغيثة قدسنا بك يا صلاح الدين تستصرخك صائحة أنا مهد المسيح .. من جديد مجازر جديدة لدرجة دعت فنزويلا لطرد السفير الإسرائيلي احتجاجا على الهجوم

و لم يخرج الثوار أيضا دون نصيب فقد تم إستدعاء بعض الناشطين للتحقيق معهم ك أسماء محفوظ و محمد عادل و لؤى نجاتى و غيرهم بالإضافة إلى عقد بعض المحاكمات العسكرية للمقبوض عليهم

إلا أنه فى خضم ما يحدث من أحداث عصيبة تتجلى دائما روعة الروح المصرية روح الآلفة و الوحدة و المحبة – ربنا يديمها علينا - حينما تستمع لموقف يقشعر له بدنك من أجمل ما يمكن أن تستمتع إليه فى حياتك و أنت على الطريق إبان أذان المغرب لحظة الإفطار والكل يمد يده بالمشروبات و المأكولات للمارة – مشهد مصرى أصيل دارج ومتداول و الحمد لله فى كل شوارعنا – فتجد شاب يوزع بلح وعصيرعلى المارة فيجيبه أحدهم شكرا أنا مسيحي .. فيجيبه الشاب يعني أنا اللي مسلم فعلا ربنا يديمها نعمة عليك يا مصر و يحفظها لكِ

و لأن المصرى لا يستطع أن يحيا بدون الفكاهة فهو يتنفس خفة ظلاً و مرحاً فيعلنها صريحة واضحة على أنه خرج من رمضان هذا العام و قد تعلم أن مصر اختارت الفستان البمبى و إن حزلئوم طلع أخو الكبير فالأولى سلسة إعلانات رمضانية و الثانية مسلسلا رمضانا

إلا أن رمضان هذا العام- و الإعتراف بالحق فضيلة - شهد ظاهرة جديدة نسبيا جيدة نوعيا حيث انخفضت نسبة متابعة المسلسلات والإقبال عليها وخاصة المسفة منها

وهكذا مابين إفطار جماعى إلى إشتباكات و مناوشات مرورا بوقفات و كر وفر كان رمضان مختلفا مميزا هذا العام بكل المقاييس.. فريدا لم تشهده البلاد فى أى فترة من فتراها فكان رمضانا تاريخيا سياسيا ديمقراطيا وطنيا إتحاديا

فكان بحق رمضان فريد و هذا ليس اسما لأحد الساسة الذى يطلون علينا كل حين على الشاشات و قد حفظنا عن ظهر قلب ملامحهم و مأخذاهم وإنما توثيقا لواقع فريد و تاريخا يتشكل بنا و معنا الآن ......

و الله بعودة يا رمضان نسأل الله أن تكون عودة تستقر فيها أحوال الأمة و يعلو شأنها و تشهد مجدها اللهم آمين

فاطمة عبد الله
7\9\2011

اللى فى القلب فى القلب

من متن أتوبيس المحروسة أحييكم تحية إعزاز و تقدير .. بعد تحية الكمسرى و الراكبين الواقفين منهم و اللى قاعدين ننقل لكم حوار اليوم و كل يوم
حوار الأمل و العمل ... حوار الملل و الكلل .. حوار اللى يروح ما يرجعش
إليكم يا سادة الحوار الأتوبيسى اليومى المعتاد عند كل وقفة أو إعتصام
أصعد مسرعة و بعد عدة مناورات و إشتباكات خفيفة المرام أحيانا حامية الوطيس أحيانا أخرى أعثر على ركن ركين و " زقر " رفيع أقف فيه يقينى من مارة الطريق و عابرى السبيل فى طرقة الأتوبيس
يبدأ الأتوبيس رحلته اليومية و يتوقف فى محطته الاعتيادية بميدان التحرير

يصيح الركاب كلهم فى صوت واحد صيحة رجل واحد و بكل عزم و معهم الكمسرى كأنما عقدوا صفقة خفية و تواردت خواطرهم تواردا روحيا و يجلل صوتهم جميعا فى نفس واحد عند المرور على ميدان التحرير :
دول شوية صيع مش متربين ولا لاقين حد يلمهم دى عالم فاضية موراهش لا شغله ولا مشغله لو كانوا مش لاقين يأكلوا و بيجروا ورا لقمة العيش و طافحين الكوتة زينا مكانوش هيقفوا الوقفة دى
يرتفع من خلفى صوت أجش جهورى : دى عيال صيع ولاد كلب بتوع الدويقة ولا المنشية عايزين يخربوها
أختكم ساكتة و ماسكة نفسها بصعوبة " اللهم طولك يا روح "
حآجة جالسة أمامى تصيح : ربنا ينتقم منهم دى الحاجة كلها غليت مش عارفين نأكل ؟؟
و هنا أختكم بقى ماستحملتش و عينكم ما تشوف إلا النور
مقدرتش بصراحة : قلتلها يا حجة يعنى الحاجة مكانتش غالية قبل كده اللحمة موصلتش 70 جنية ؟ و الفاصوليا و الطماطم موصلتش 13 جنية؟؟ و الأنابيب موصلتش 30 جنية ؟؟ مش ده كان قبل كده .. ده حتى الحاجة اليومين دول رخيصة والطماطم ب 2 جنينة عمرها كانت ب 2 جنية ؟؟
صمتت فى إضطراب بعد أن باغتها بإجابتى و دحضت حجتها .. نظرت إلىّ شذرا ..
أنتظرت أن يباغتنى عم الحاج إياه بكلمات أخرى إلا أنه لم ينطق و نظر لى من فوق لتحت نظرة " وحشة قوى " يا جماعة
باغتنى "ست الحاجة" بعد أن جمعت قواها الفكرية لتستكمل الهجوم و قالت متحفزة مُهاجمة : يعنى هم عايزين إيه ها ؟يعنى عايزين ايه؟؟
أجبت بما أستطعت أن أتقمص من هدوء : أبدا يا حاجة مش عايزين حاجة عايزين بس ولادهم اللى راحوا منهم قدام عينهم فى عز شبابهم يحاكموا اللى قتلوهم و يأخدوا حقهم ؟
توقفت عن الكلام فقد فؤجئت من ردى بعد أن باغتها مرة أخرى بما لن تسطع الرد عليه توترت قليلا و إنقعد لسانها إلا أنها سارعت قائلة يحاكموهم طيب هيعملولهم إيه؟ ماتوا فى وسط اللى ماتوا دى كانت هوجة ثورة و ناس ثارت و ناس ماتت راحو كده ..هنعملهم ايه يعنى ؟
يعنى هم هيعرفوهم هيعرفوا مين و لا مين و هيعروفهم إزاى ؟

تعجبت من هدوئها فى تقبل الأمر و هجومها على ذات الأمر لأنه لم يصيبها بالشكل المباشر و تصنعت الهدوء التام و أنا أقول :
آه عارفين هم مش اللى اتقتلوا حوالين الأقسام ..كل منطقة عارفة مين الضباط اللى ماسكين القسم ده و هنا فى التحرير مش كان فى قناصة فوق العمارات بعد ما خلعوا الإعلانات قديمة الأزل التى كانت فوق الأسطح و قنصوا أى حد يقرب من وزارة الداخلية أو حتى يقرب من الشارع بس حتى الناس العادية و الناس اللى كانت بتجرى تحتمى من الضرب و اللى بيجرى بشوال ولا بيجرى بكرسى و باين من فوق من بعيد كان بيتأخد رصاصة فى المخ على طول ينزل يطب ساكت و شارع وزارة الداخلية كان متغرق بالدم
صمتت مرة أخرى يبدو أنها لم تعتاد على مثل هذا النوع من الحديث المُفند ذا النقاط و ارتبكت مرة أخرى لكن نظراتها كانت تحمل الكثير ولسان حالها يقول " هو عشان إنتى شكلك متعلمة و " بتكلمى بالنحوى "- على حد تعبيرهم - يبقى عمالة توافقيهم فى الرأى و إحنا مش هنعرف نجاريكِ فى الكلام لكن لأ.. مش هتخدينا فى دوكه هم برضو عيال ولاد كلب

هنا و مع حديثى المرتب نوعا ما تدخلت راكبة جالسة يبدو أنها تتمتع بفهم و رؤية واضحة للأمور و قدر من الحماس إلا أنها تتفق مع ست الحاجة فى رأيها فقالت لى مشاركة أخيرا فى الحديث بعد أن كانت تكتفى بالمتابعة البصرية فقط التفتت لى ببصرها و قالت : و هم اتخذوا إجراءات عشان يطالبوا ؟؟ لما يبقوا يتخذوا أى إجراءات يبقوا ساعتها يطالبوا و يتكلموا و الإجراءات تأخذ مجراها

التفتت إليها بالحديث لتوسمى فيها بالفراسة و الفهم فأجبتها " بعضهم تقدم بالفعل ببلاغات للنائب العام إلا أن البطء الشديد جعلها لا تتحرك و كأنها لم تكن و البعض اكتفى بما قُدم من بلاغات إلا أن عدم الالتفات و البت فى هذه البلاغات حتى الآن أصاب الجميع بالإحباط و خيبة الأمل و هو ما دفعهم لزيادة الضغط بالوقفات
أجابت بكل ثقة : و العمل ؟؟ طول ما هم كده .. مصر لن تتقدم ولن ترى النور لازم إنتاج

أومأت برأسى اتفق معها و لكنها أردفت : و حتى دى مش هينفعوا فيها لأن كل ما يتم فى مصر من تصينع ما هو إلا تجميع لقطع غيار أو تصنيع لخامات مستوردة بالفعل
الحل و البداية فى التصنيع من أول الخطوة أن تكون الخامات مصرية الصنع فى الأصل
اتفقت معها بشدة و أكدت على هذا المفهوم

فانتشت و كأنها وجدت بغيتها و ضآلتها و قالت: يبقى هم مش المفروض يقفوا الوقفة دى
أجبتها : أن الآراء الشخصية هنا يحتفظ بها كل لنفسه فرأيى الشخصى مثلا قد يكون مع عدم الاعتصام إلا أننى أتفهم و أقدر و أعى تلك المطالب و أحترمها إنما كانت إجابتى ردا على تساؤلات كثيرة سمعيتها بنفسك : لية الناس دى جاية تقف هنا عايزين إيه ؟؟ يخربوا البلد؟؟"
و كان لابد من التوضيح أن للواقفين مطالب و قضية قد يتفق معها من يتفق أو يختلف من يختلف إلا أنه – و ليس من حقه -أن ينكرها علي أصحابها
و لكنى أتفق معكِ أن هناك البعض ممن يتسترون وراء عباءة الثورة و دم الشهداء لتحقيق مصالح و أغراض شخصية فردية بعيدا تماما عن مصلحة الوطن و أمنه و تعمد إشاعة الفوضى و العنف و المتاجرة بدماء الشهداء و لا يرون إلا مصالحهم و لا يعرفون من كلمة من الوطن إلا حروف الهجاء فكفانا متاجرة بدماء الشهداء فدم الشهداء أنقى و أطهر من أن نتاجر به و نلوثه و نتخذه ستارا و عباءة و نجعله سلعة فدم الشهداء هو الأطهر و نحن الملوثون

و لكن هذا لا ينكر علينا و عليهم المطالبة بحقهم و حق مصر و حق أبنائها
هنا صمتت و توقفت المداخلة مرة أخرى
و إذا مرة أخرى بست الحاجة التى يبدو أنها تستجمع كل طاقتها الفكرية فى مباغاتتى بحجج جديدة لتدحض حججى
و قالت طيب يا أبلة – و يبدو أنها توسمت فىّ قدرا من التعليم أو الثقافة لتمنح مثل هذا اللقب لشابة فى عمر ابنتها – و باغاتتنى : طيب و الشقق اللى وعدونا بيها يا أبلة ؟؟ و كأنما عثرت على سقطة للنظام الجديد تكسب بها المعركة

أجبتها : إنتى كنت مقدمة فى شقق المحافظة يعنى ؟؟
أومئت بالإيجاب و أردفت : ها هيدهولنا ولا لأ؟؟
أجبتها : أنا مش هأضحك عليك هو فى شقق ..يعنى مش بيضحكوا عليكم لكن المعروض 2000 و إتقدم ملايين إزاى بقى هيقسموها الله أعلم ؟؟!!

قامت بتحريك شفتيها مرتين متتابعتين فى حركة متعاقبة جهة اليمين و جهة اليسار و تابعت: يعنى الحكومة بتضحك علينا كانت بتسكتنا ساعتها و خلاص فى الهوجة و أكلتنا البلوظة
صمتْ و نظرت إليها بإيماءة ذات معنى
أجابت يعنى مش لاقين أى حاجة ولا شقق ولا أكل الله يرحمه عبد الناصر كان بيدينا تموين و كِسوة و السادات كمان و كنا عايشين أحسن عيشة و بنلاقى كل حاجة و كان فى تموين كتير طيب إحنا عايزين تموين ؟؟

ابتسمت فى نصر أخيرا حصلت عليه وجدت الخيط أهو و سارعت : يعنى أهو مش الثورة و الشباب ولا وقفتهم هى السبب و لا هى اللى غلت الأسعار و وقفت حال البلد؟؟؟
صمتت فى ريبة مفاداها عدم الإقتناع مع قلة الحجة و نقص الفصاحة إلا أن نظراتها فضحتها - و العين ما بتكدبش- أنها لا تعبأ بمثل هذه الكلمات و تتمنى و ترجو أن يرحل هولاء الشباب و أن تعود البلد كما كانت – على حد شعورها – فى إستقرار و هدوء

شاركها صاحب الصوت الأجش النظرات ذات السنون الحادة و النصل الجارح
صمتوا .. صمتت أنا الأخرى و لم أسهب فى الحديث أكثر و لكن ألمحه فى عيونهم كلام كثير يخشون أن ينطقوا به فلا يضاهى حجتى .. تحمل ألسنتهم حديثا طويلا لم يتلفظوا به و لسان حالهم يقول نحن لا نجيد فن الحديث مثلك " يا متعلمة يا بتاعة المدارس" و لا نستطيع التعبير عما بنا زيكم كده
أعلم أن الكثير يجيش بخلجاتهم
ألمح ذلك الإصرار على الرأى من جانبهم و تفضحهم أعينهم بإتخاذ موقف و الثبات عليه

كل منا لا يريد سماع الأخر أو محاولة فهمه و الدخول إلى عالمه

نصمت جميعا فجأة و يُخسف قمر الحديث .. يخيم الصمت على المكان بظلاله السوداء التى طمست روح التواصل
أتساءل هل نجحت الثورة المضادة؟ أم هم أنفسهم ثورة مضادة !!
أتذكر أننى أخوض هذا الحوار يوميا منذ الخامس و العشرين من يناير كلما مررت على ميدان التحرير أحيانا أتدخل فى ذاك السيل المنهمر من السباب للثورة و لشباب الثورة و إئتلاف الثورة و للميدان و أحيانا أخرى يرهقنى الجدل و الكثرة و تُنهك قوايّ فأصمت

تأتى محطتى القريبة من ميدان التحرير أترجل من الأتوبيس مُلقية عليهم سلاما سريعا مقتضبا بعد أن خضنا كل تلك المناقشة معا ..عشرة أتوبيس واحد برضو

يجيبون تحيتى بإبتسامة صفراء و همسا ثقيلا تلتقى أعيننا مؤكده ثبات المواقف و أن الكلام سهل و الحديث هين و لكن يبقى....
اللى فى القلب فى القلب .

فاطمة عبد الله
1\7\2011