الاثنين، 11 أكتوبر 2010

يذوب الزائل فى الأزلى

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته


قرأت فى أحد الاستيتسات الفيسبوكية مؤخرا مقولة استفزتنى فكرياً كثيرا فهمّمت بالرد و التعليق عليها و بعد أن أنتهيت من عرض وجهة نظرى فإذا بى أجد ما علقت به و كتبته يصلح أن يكون مقالا منفردا لعرض رأى أو تصور و توضيح صورة عامة

و كانت المقولة " يصغر الدين إذا صغر رجاله.. ويهان العلم بقدر هوان العلماء "

و لقد آلمنى هذا القول كثيرا و جعلنى أشطح بفكرى حول الصواب و الخطأ و الصراع الأبدى بينهما و حول الخير و الشر و المطلق و النسبى و المعنوى و المادى و اللامتناهى و المنتهى و جعلنى أفكر و أفكر شردت بذهنى بعيدا و حلقت و تأملت و همت و طوفت مع الأفكار و لم أدرى بيدى إلا و قد كتبت تلك الكلمات:



و الله لأنى أختلف مع تلك المقولة تماما :



فلا تتعلق القيم و المبادئ و جواهر الاشياء و أسس الكون بالأفراد فهى باقية رغم رحيلهم و موجودة برغم عدم وجودهم فلا تتأثر القيم السامية و المبادئ النبيلة بعدم وجود النبلاء بل كل ما يحدث ان تنتشر العكس ( الدناءة ) و تتوسع قاعدتها و لكنها لا تقلل ولا تؤثر من شأن تلك القيم الرفعيةو الهامات الشامخة العالية التى تعتنقها فلا يمنع وجود الرذيلة عزة و جمال و بهاء الفضيلة ؟؟؟


و لا يتأثر الدين أو " يصغر " بنقص رجاله و لا تتأثر مكانة الدين بقلة أتباعه و مريديه و لن يضمر أو يضمحل طالما باقيه هى كلمته و نبله و قيمته و رسالته

و لا يضر الدين نقص رجال الدين أو عدم فهمهم و عدم تمكنهم فكل ما هو روحى يُقرأ بالروح لا باللسان و كل ما هو غيبى يصدقه القلب لا العقل و يقره القلب و الروح معا و ما وقر فى النفس

و الروح و القلب لدى الأنسان فى أى زمان و مكان

بينما يمتلك رجال الدين العقل و القدرة على الدحض بالحجةو المنطق و البيان و فصاحة و طلاقة اللسان و بلاغة اللفظ و الاسترسال و قدرة و مهارة الإقناع

و كما ذكرت ليست قلب الايمان

فالإيمان ما وقر فى القلب و صدقه العمل أى أن تشعر بقلبك و تنفذ فى سلوكك !!؟

فالايمان اقرار بالقلب و تصديق بالروح و هو ما يمكن للجميع

فلا دين يتأثر بنقص رجاله

و لا يتأثر الجوهر و اللب فى العمق بالسطحيةو القشور


و لا يفنى العلم أو " يهان " بهوان العلماء أو محاربتهم و لن ينمحى العلم و المعرفة بإختفاء العلماء و عدم وجودهم



فقيمة العلم و المعرفة باقية ببقاء البشرية و للعلم و المعرفة مكانتها و قيمتها التى لم و لن تتأثر بوجود أتباع أو انصار او منفذين و مروجين و مكتشفين كالعلماء أو رجال المعرفة



فالعلم موجود فى الكون و المعرفة موجودة بالحياة منذ القدم و منذ الأزل ومنذ فجر التاريخ و من قبل خلق الانسان

فالله هو من يعطيه لمن يريد فهو هبه صرفة و منحة من الله تعالى

بسم الله الرحمن الرحيم ,,,


وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئونى باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين (31) قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم (32) قال يا ادم انبئم باسمائهم فلما انبئهم باسمائهم قال الم اقل لكم انى اعلم غيب السموات والارض واعلم وا تبدون وما كنتم تكتمون (33) سورة البقرة


﴿خَلَقَ الإِنسَانَ , عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾ (4) سورة الرحمن


ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما سورة يوسف


وَوَرِثَ سُلَيْمَـنُ دَاودَ وَقَالَ يَـأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيء إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ ). النمل 16


فكيف يُقارن الأزلى الأبدى الخالد بالفانى المنعدم الزائل

و كيف يُقارن ما هو خالد بمن هو فانى

و ما هو أبدى بمن هو راحل

و ما هو أزلى بمن هو مقنن

و ما هو دائم بما هو عارض

و اللامحدود و اللا منتهى بالمحدود و المنتهى



و كيف يُقارن ما هو معنوى و روحى بما هو مادى و جسدى

و ما هو محسوس بما هو ملموس



و كيف يفنى المحسوس فى الملموس ؟؟

و كيف يفنى المعنوى فى المادى ؟؟؟

و كيف يفنى الخالد فى الفانى؟؟؟




و الأحرى و العقلى و المنطقى العكس

أن يفنى الملموس فى المحسوس

و أن ينصهر المادى فى المعنوى

و أن يذوب الزائل فى الازلى

و أن يفنى الفانى فى الباقى

و أن يحتوى الأصل الفرع

و أن يبتلع اللب و الجوهر القشرة ......تماما كالزلازل و التصدعات و التشققات الأرضية و حتى البراكين تخرج جوفها و لبها ليجف ليكون فيما بعد القشرةو الطبقة الخارجية أى هى التى تتحكم فيها و توجهها و تحركها و ليس العكس

فالداخل يتحكم فى الخارج

و الباطن يسيطر على الظاهر





فكيف يُقارن ما يخلد و يبقى بما يضمر و يفنى ؟؟!!!





و كيف يُضار دين أو علم بأفراد مهما كانت صلتهم به فمن الأحرى إن كان لا يُضار الوالد بولدة كما قال الله تعالى

لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ)233 البقرة



و هم أقرب الأقربين للولد و أكثر الناس حبا له و خوفا عليه و رعاية له و مع ذلك لا يضار والد عن ولده فما بالكم بعلاقة رجل الدين و رجل العلم بالعلم نفسه . فلن يكون مهما كان أكثر قربا و تعلقا للعلم و الدين منه لولده الذى هو من دمه و صلبه و عرقه و فلذة كبده التى تمشى على الأرض

فلم يستطع حطان بن المعلا الطائي أن يمنع نفسه من الخوف و جفا النوم عينيه رغما عنه و لم يستطع النوم فقط حينما هبت الريح على ولده و أنشد

إنما أولادنـــــــــــا بيننـــــــــــــــا

أكبـــــــــــادنا تمشي على الأرض

إن هبــــــــــت الريح على بعضهم

لم تشــــــــــــبع العين من الغمض

فكيف بالله عليكم يُضار دين برجل و يُضار علم بعالم ؟؟!!؟

فهل يستقيم ذلك؟



فالدين الطاقة الروحية و العلم الطاقة العقليةو العملية و الأنسان لا يحيى إلا بالطاقتين معا يستطيع بهما أن يواصل حياته ..يقضى إحتياجاته ... يفهم واجباته ... و هاتان الطاقتان ما هما إلا طاقة و معروف – حتى علميا – أن الطاقة لا تفنى و لا تستحدث من عدم..........و لكنها موجودة و تتجدد و تجدد نفسها فالدين و العلم تماما مثل الطاقة و شأنهما شأنها بل هما الطاقة فعلااااااااا


فلا يستطيع الإنسان أن يخلد و إنما كل ما يستطيع عمله أن يخلد ذكراه حتى هذه يفشل فيها أحيانا فهناك حضارات كاملة فنيت و طمست و لم يبقى منها حتى تاريخها و لا حتى ذكراها فى حين أن بعض الحضارات فنت و تبقى تاريخها و ذكراها و مذكرات رجال دينها و علمائها



فرجال الدين و العلماء يفنوا و لا يخلدون بل كل ما يستطيعونه أن يخلدوا ذكراهم ؟؟؟!!!!!!!؟


و إذا كان العلماء ورثة الأنبياء – كما ورد فى الحديث الشريف –

فلنقس هنا و نستخدم القياس - العقلى -؟

الأنبياء لم يَخلقوا الدين بل آتوا مبلغين ومرسلين

فما هم إلا رسل لتبليغ رسالة فهم ليسوا الرسالة نفسها و لا أصحابها ..إذن فالرسالة موجودة من قبل وجودهم فى الأصل و الأساس و اذا كنا نقيس المثل على الأنبياء و هم بالطبع أعلى شأنا و مرتبةً و قدراً و رفعة من رجال الدين فمن الأولى أن نفهم أن رجال الدين ما هم إلا بمرشدين و ناصحين و أدلاء و مفسرين و شارحين للرسالة التى بين أيديهم و لا يمتلكوا الرسالة نفسها

فالرسالة لن تتأثر بوجودهم من عدمه أو كثرتهم من قلتهم ؟؟!!؟؟



و إذا كنا نعترف أن العلماء ورثة الأنبياء

و أن الأنبياء لا يمتلكوا الرسالة بل هم مرسلين ومبلغين لها

فبالتالى العلماء لا يمتلكوا العلم و ليس حكرا لهم إنما هم مبلغين ، شارحين ، مرشدين ، مكتشفين و مطبقين ، منفذين له

أى أن العلم و المعرفة باقية و موجودة لا بوجودهم هم- العلماء- و إنما بوجودها هى ........


فالأزل و الوجود باقى للوجود نفسه و ليس بما هو- أو بمن هو - موجود فيه .......


فالبقاء و الخلود لا يتأثر بالعدم و الفناء

الدين و العلم لا يتأثر برجال الدين و العلماء

فشتّان بين مُشرِّقٍ ومُغرِّب

حبة حروف :-


{كل نفس بما كسبت رهينة}. المدثر 38

ليست هناك تعليقات: